الجمعة، 7 يونيو 2013

الشهيد الولي مصطفى السيد شمس الذاكرة الصحراوية

بمناسبة ذكرى استشهاد مفجر الثورة الصحراوية الولي مصطفى السيد سنبدأ بحلقات من تاريخ هذا البطل الزعيم الشهيد ، ونرحب بالراغبين في اغناء وتمجيد سجل شمس الذاكرة الصحراية .


نظرة تمهيدية
برز الوالي مصطفى السيد – المزداد ببئر لحلو عام 1948- زعيما صحراويا متميزا بحسه النضالي الذي تفرد به بشكل مبكر، أي منذ بواكيره وطفولته التي قضاها إبنا بدويا بارا يتنقل بين الصحارى والتنائف والفيافي الواسعة التي تطبع تراب كبلة/ أرض الجنوب..
هناك كان يحمل معه سماته البدوية التي ترسمها عفويته وفطريته وجديته كذلك، مثلما كان يختزلها في ملامح وسحنات وجهه النحيل وشعره الأجعد ولباسه الصحراوي التقليدي الدراعة واللثام وبذلته العسكرية المخططة..ومثله مثل أطفال وشباب الصحراء، تدرج الوالي خلال تعليمه الأولي بأقسام المحضرة التي تعد مؤسسة تعليمية تقليدية تقوم في وسط طبيعي قاس يتحول فيه طلب العلم إلى ممارسة يومية لتقوية عزيمة الطالب والتلميذ وتربيتهما على الجلد والتحمل، فتصير المحضرة بالنسبة إليهما مدرسة للحياة..لا للعلم فقط..
إلا أنه منذ عام 1958، سيستقر الوالي بالطنطان رفقة أسرته التي كان يقودها أبوه الشيخ مصطفى السيد وأمه امباركة التي كانت تحترف الخياطة.. وإلى جانبهما تابع دراسته الابتدائية لبضعة أعوام، غير أنه سرعان ما سينفصل عنها بسبب كثرة غيابه وانقطاعه الناتج عن ظروف الترحال والتنقل الذي يفرضه نمط البداوة ونظام العيش بالصحراء، حيث رعي الأغنام والإبل والبحث المستمر عن مواطن الماء والكلأ.. لكنه في فترة لاحقة، سيستأنف الوالي دراسته وسيتوج ذلك بحصوله على منحة خولت له استكمال تعليمه الثانوي كطالب داخلي بمعهد ابن يوسف بمراكش.. إلا أن اصطداما وقع له مع مدير المعهد -عقب انتفاضة الدار البيضاء ليوم 23 آذار/ مارس 1965- سيبعده عن أجواء الدراسة التي سيعود إليه من جديد، وتحديدا بإحدى المؤسسات الثانوية الكائنة بتارودانت..
عقب ذلك، سيرتقي الوالي إلى مرحلة التعليم الثانوي حيث سيلتحق سنة 1970 بجامعة محمد الخامس بالرباط ليتخصص في مجال العلوم السياسية.. وهناك سيبرز بشكل لافت للنظر داخل مجموعة من الطلبة الصحراويين : عمر الحضرمي، محمد عبد العزيز، محمد الأمين ولد أحمد... الذين كانوا يناضلون داخل "اتحاد طلاب الصحراء الدارسين بالمغرب" 
داخل الاتحاد الطلابي الصحراوي المذكور، قدم الوالي- سرا وجهرا- دروسا نموذجية في النضال والكفاح والدفاع عن الهوية الصحراوية، ساعده في ذلك وعيه السياسي ودربته المتقدمة على الخطابة وفن الإلقاء وقدرته على التبليغ والإقناع.. فضلا عن موهبته الواسعة في صياغة الخطب والبيانات والشعارات السياسية.. ومن أقوال الوالي المأثورة، نذكر : 
الكفاح سمة وليس صفة، فالصفة تولد في تابوت والسمة تنبع من عرش زيتون. 
النضال لا يتولد إلا في ظروف القهر.. فالثورة قدر، ومن شك في القدر فقد كفر.. الثورة قدر الشعب الصحراوي.. 
الأنظمة المتعفنة لا يقضي عليها سوى الدم المناضل.. 
إن شمس الحرية ستبزغ لا محالة..وليل الاحتلال مرهون بما نقدمه من عمل وطني ينير دربنا الوعر.. 
ومن أبرز خطاباته: خطاب ألقاه مباشرة بعد القصف المغربي لمخيمات اللاجئين الصحراويين بأم دريكة، خطاب الوحدة.. إضافة إلى مقال "فلسطين جديدة في الصحراء" الذي نشرته – من دون توقيع- مجلة أنفاس –Souffles في عددها المزدوج السابع والثامن الصادر في كانون الأول/دجنبر 1972 وكانون الثاني/ يناير 1972..هذا إلى جانب مذكرته السياسية التي قدمها للاتحاديين عقب ذلك بسنة واحدة، وقد حدد فيها الهوية الوطنية الصحراوية بكل عناصرها ومكوناتها الثقافية والدينية والاقتصادية.. من ثم أخذت الثورة في تجربته النضالية خطا أكثر وطنية، رغم تعرضه المستمر للصدامات والملاحقات والدسائس المحاكة من قبل البوليس وأجهزة المخابرات المغربية..
كان الوالي -الصحراوي المشبع بالأفكار المحرك الرئيسي للطلبة الصحراويين الذين كانوا يجتمعون في فضاء الجامعة المغربية ضمن حلقات تسمى بـ" مجمع الطلبة الصحراويين" بفعل شساعة فكره وشحذ خياله، وقد نجح في نسج علاقات متنوعة مع العديد من التنظيمات الطلابية داخل المغرب وخارجه: بيروت، مدريد.. وكذلك ملاقاة العديد من زعماء الأحزاب السياسية 
غير أن الوالي القائد والمقاتل الصحراوي- الذي ظل دائما يؤمن بالعمل المسلح في الفعل السياسي- سينتهي شهيدا كبيرا في هجوم قاده بنفسه ضد نظام المختار ولد داده الموريتاني ضواحي مدينة "تجكجا" التي تبعد عن العاصمة نواكشوط بحوالي 200 كلم،  وقد مثل استشهاده رحيل أبرز الرموز التي أعطت انطلاقة الشرارة الأولى للكفاح الصحراوي من أجل الحرية والكرامة وإقامة الدولة الصحراوية المستقلة..
ومن أهم الأنشطة السياسية ذات الطابع الرسمي التي قام بها المرحوم الوالي مشاركته في أول مؤتمر باسم جبهة البوليزاريو بالعاصمة الليبية طرابلس، وهو مؤتمر الشبيبة الإفريقية المقام سنة 1974، والذي تميز بقبول عضوية الشبيبة الصحراوية كعضو يتمتع بكامل الحقوق إلى اليوم.. خلال هذا المؤتمر تعرف الوالي مصطفى السيد على الصحفية اللبنانية ليلى بديع عيتاني التي أجرت معه أول لقاء صحفي باسم الجبهة، نشر بمجلة الدستور العراقية الصادرة بلندن.. واستطاع أن يقنعها بعدالة قضية شعبه، حيث ألفت بعد استشهاده كتابين حول كفاح الشعب الصحراوي صادرين عن دار المسيرة ببيروت، هما: أضواء وملامح من الساقية الحمراء ووادي الذهب/ 1977، والبوليساريو قائد وثورة / 1978..
إضافة إلى استقباله بالجزائر سفير مدغشقر أول دولة تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، وكان برفقته كل من أحمد بابا مسكة وعمار منصور، وذلك خلال أواخر آذار/ مارس 1976.. وقبل عشرين يوما من استشهاده، ألقى الوالي خطاب الوداع بمناسبة الذكرى الثالثة لاندلاع الكفاح الصحراوي المسلح، وذلك يوم 20 أيار/ ماي 1976..
الوالي..ذلك المناضل الصحراوي ذي الحس البدوي الذي كان لا يرضى بأقل من الاستقلال، عاش مقتنعا بالدفاع عن الوجود والوطن.. 
بل كان يؤمن إيمانا قطعيا بأن الثورة لا يمكن أن تنضج وتعطي ثمارها إلا عندما تكون مسلحة باليقظة والوعي..والصبر والمقاومة كذلك..
مساره النضالي غني وطويل يستعصى على الاختصار.. ومن النادر جدا أن يجد المرء شخصا بهذا المقدار من الكفاح..
هو هكذا عاش علما شامخا.. مطاعا مهابا في كل المعارك التي خاضها ضد الغزاة..
وهو هكذا استشهد وفي صدره الكثير من النضال.. 
مرجع : احلى  منتدى